صحة

مرضى السيدا في لبنان: 148 إصابة جديدة وكورونا تزيد الخناق

في اليوم العالمي للسيدا: أربعون عامًا دون لقاح!

بينما يتمحور العالم بأسره على فيروس كورونا وكيفيّة الحدّ من هذا الوباء، في اليوم العالمي لمكافحة السيدا/ الإيدز فلنتذكر أن هناك وباءً آخر من أصل حيوانيّ، يعيش في مجتمعاتنا دون لقاح فعّال بعد حوالي أربعين عامًا من ظهور أوّل إصابة عالميًا سنة 1981.

ظهرت أوّل إصابة بفيروس العوز المناعي البشري(HIV) في لبنان سنة 1984، ممّا دعا السلطات اللّبنانية وقتها للتفكير جديًّا والبحث بإجراء فحوصات السيدا قبل السماح للواصلين إلى لبنان بدخول البلاد خاصّة المغتربين اللّبنانيين الآتين من بلاد أفريقيا.

وقد اعتُقد أيضًا حين ذاك بأنّها نهاية العالم!

أكثر من 77 مليون شخصٍ قد أصيب عالميًا بفيروس العوز المناعي البشري(HIV) منذ بداية هذا الوباء، وعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي تمّ إحرازه إلّا إن فيروس HIV لا زال مسؤولًا عن أكثر من 35 مليون حالة وفاة، بما في ذلك 690 ألف شخص في عام 2019.

 

في لبنان 92% من الإصابات ذكور

يعمل البرنامج الوطني لمكافحة السيدا الذي أسّسته وزارة الصحّة سنة 1989 ، بالتعاون مع منظمة الصّحة العالميّة ومؤسسات المجتمع المدني، لضمان بيئة آمنة وصحيّة للأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري وللقضاء على السيدا بحلول العام 2030. وذلك عبر أهداف الـ”90 90 90″ أيّ 90% من المتعايشين مع الفيروس على علم بتشخيصهم، 90% من حاملي الفيروس يحصلون على العلاج، و90% من علاجات هؤلاء ناجحة.

سجّل لدى البرنامج الوطني لمكافحة السيدا 148 إصابة جديدة لغاية كانون الأول 2020 ، فتصبح إذن الأعداد التراكمية 2718 حالة أمّا الأعداد التقديرية للحالات حسب ال UNAIDS هي 2769.

ضمن ال 148 إصابة جديدة يحدّد: 137 إصابة من الذكور و 11 إصابة من الإناث.

ويتبيّن أن الذكور هم الأكثر إصابة بالفيروس HIV في لبنان، بحسب إحصاءات السنوات الستّ الماضية من تطورات المرض. التفاوت بين الجنسين ملحوظ إذ سنة 2020- 92.6% إصابات هم من الذكور و 7.4% من الإناث.

يوضح توزيع الحالات حسب الفئات العمرية أن 37.2% هم أشخاص دون الـ 30 عامًا ومن يشغل المساحة الأكبر 50% هي فئة الـ31-50 عامًا، أمّا الـ 12.8% تعود لأشخاص فوق الـ50 عامًا.

بالمجمل، يعتبر عدد 148 إصابة جديدة أقلّ من أعداد إصابات السنوات السابقة.

حاليًا وصل عدد متلقي العلاج الثلاثي بالمضادات القهقرية الى 1840 متعايش مع الفيروس يتلقون العلاج من وزارة الصّحة – البرنامج الوطني لمكافحة السيدا.

 

 في لبنان السبب الأساسي لانتقال الفيروس HIV هو العلاقات الجنسية

يصاب الأشخاص بمرض السيدا بالتعرض المباشر للسوائل العضوية للشخص المصاب، أي الدّم و حليب الأم والسائل المنوي أو المهبلي. ومن أكثر الطرق الشائعة لانتقال الفيروس هي:

  •  الاتصال الجنسي مع أشخاص مصابين.
  • نقل دم ملوّث للشخص أو أثناء تبادل الحقن الوريدية المصابة لمدمني المخدرات.
  • الإصابة العرضية بالإبر الملوثة بالفيروس خصوصًا للعاملين في المجال الصّحي.
  • ينتقل الفيروس من الأم المصابة لجنينها كما ينقل عن طريق الرضاعة أيضًا.

ومن المهم، فهم أنّ الأشخاص المصابين بالفيروس الذين يتناولون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية والذين يخضعون للكبح الفيروسي لا ينقلون الفيروس إلى شركائهم الجنسيين، كما أنّ طريقة انتشار الوباء تختلف بين منطقة وأخرى لذلك طرق حدّ الانتشار أيضًا تختلف.

على سبيل المثال: في إفريقيا، ينتشر الفيروس بشكل أساسي من الأمّ للرضيع لذلك بلغ عدد وفيات الأطفال سنة 2019 أكثر من 1000 وفية.

في لبنان، السبب الأساسي لانتقال الفيروس هو العلاقات الجنسية غير المحميّة وهو بنسبة 100% (سنة 2020)، توزّع الحالات على مثليّ الجنس 92.6% و 7.4% لعلاقات الجنسين المختلفين.

 

الحلّ يبدأ عبر التربية الجنسيّة في المدارس

إذا كان السبب الرئيس لانتقال الفيروس في لبنان هو “الجنس” لا بدّ أن يأتي حلّ المسألة علميًا وذلك عبر التربية الجنسيّة في المدارس.

يتمثّل الهدف الأوّل للتربية الجنسية الشاملة في أن يمتلك الأطفال والشباب المعارف والمهارات والقيم التي تمكّنهم من إجراء خيارات مسؤولة في حياتهم الجنسيّة وفي علاقاتهم الاجتماعية، ولاسيّما في عالم يعاني من وباء فيروس العوز المناعي البشري(HIV).

ومع أنّ اليونسكو قد شرَعت في العمل في مجال التربية الجنسية في أواخر عام 2007 وذلك كبرنامج  لتحقيق أهداف أوسع نطاقًا في مجال الصحة الجنسية والصحّة الإنجابية، مثل الوقاية من الأشكال الأخرى للأمراض(غير السيدا)  التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي ومن الحمل غير المقصود.

لم تتحرك وزارة التربية لتحضير مادة تربية جنسيّة شاملة في مدارسها الرسميّة والخاصّة لتعزيز وتسليح شباب وشابات لمجتمعٍ سليم في المستقبل.

أمّا لمجتمع الميم الذي يبقى ضمن القوانين اللّبنانية “غير مقبول”، واجتماعيًا يتعرض للتمييز بسبب ميوله الجنسيّة، هذا الوضع يزيد من تهميش وعناء الوصول للخدمات وطلب المساعدة. وهذا ما تعمل على تحقيقه الشركاء في مكافحة السيدا من خلال التوعية وتأمين الدواء.

المشاكل المستجدّة للأشخاص المتعايشين مع السيدا

تفيد ناديا بدران وهي مديرة جمعية العناية الصحيّة أنّه وفي ظلّ جائحة كورونا، الأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري(HIV) كانوا خائفين جدًّا على وضعهم الصّحي وخاصّة مع هول الأخبار الخاطئة على مواقع التواصل الاجتماعي المتداولة.

وهذ ما دفع الجمعية للاتصال بهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول طرق الوقاية ولمعرفة حاجاتهم، وأيضًا نشر الوعي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال الحجر الصّحي والتعبئة العامّة “كان الخوف الأكبر من عدم الوصول لمراكز الفحوصات ومن انقطاع الدواء مع المشكلة الحديثة لانقطاع الأدوية عامةً  علمًا أنّ الدواء موجود وهو واف حتى الآن في مركز البرنامج الوطني”.

وخسر بعض المتعايشين مع الفايروس منازلَهم في انفجار بيروت فاضطروا للعيش مع أهلهم – اللّذين بمعظمهم لا يعلمون بالوضع الصحّي لأولادهم، ممّا شكّل ضغطًا نفسيًّا لهم وكان واجب التدخل للدعم النفسي، تقول بدران، “أمّا الضائقة الاقتصادية، أدت خسارة بعضهم لعمله، ويتخوّف هؤلاء من غلاء كلفة الفحوصات مقارنة بالعملة اللّبنانية”.

 

المشاكل الدائمة للأشخاص المتعايشين مع السيدا

حسب بدران وخبرتها في الحقل الميداني تقول: “المشاكل الدائمة مع السنوات تبقى الوصمة الاجتماعية أو الرفض الاجتماعي الشديد، بحيث أن فاعل الأمر المسبّب للوصمة يكون موسومًا بها، ومميّزًا عن باقي أفراد المجتمع، في مكان العمل والأصدقاء. كما هناك ممارسات مجحفة بحقّ هؤلاء الأشخاص وهي الطرد التعسّفي من العمل، التلاعب والاستغلال، التهديد بفضح الشخص المتعايش مع السيدا وذلك نتيجة لعدم التقبل.

للأسف، بالرغم من التوعية والوقاية ووفرة المعلومات عن كيفية انتقال الفيروس، نرى الوصمة والتمييز على الأشخاص وهذا غير مبرّر علميًا ومنطقيًا بل نابع من أفكار مغلقة مشوّهة، “ونحن نوثّق هذه التعديات، لإحالتها”.

يذكر الدكتور أحمد بن سالم المنظري – مدير منظمة الصحّة العالمية لإقليم الشرق المتوسط في بيان له بمناسبة اليوم العالمي للإيدز أنّ البلاد عملت بلا كلل للتصدّي لكوفيد 19، فقد تضرّرت خدمات صحية أساسية، منها خدمات الوقاية من فيروس العوز المناعي البشري وتشخيصه وعلاجه. أمّا في الشرق الأوسط، فقد أتت الجائحة في وقت حرج لوباء فيروس العوز المناعي البشري، اذ يقدّر عدد المتعايشين مع فيروس العوز المناعي بنحو 420 ألف شخص، ويتنامى الوباء على نطاق غير مسبوق. في عام 2019 وحده، وقعت 44 ألف إصابة جديدة بزيادة تبلغ 47% مقارنة بعام 2010. ولم يشخّص سوى ثلث المتعايشين مع الفيروس ولا يتلقى العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية سوى 24%… للجميع الحقّ في التمتّع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه.

وحدّد المنظري أنّ شعار اليوم العالمي للسيدا لعام 2020 هو “قـدرة خدمات فـيروس العوز المناعي البشري على الصمود”.

 

ماري لو بيضون

 

ماري لو بيضون

صحافيّة وناشطة نسويّة حائزة إجازة في فنون التّواصل والصّحافة من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى